جميلة تلك المدينة التي ترقد عروساً على ضفاف البحر الأبيض المتوسط ، جميلة ببحرها الذي يروي قصة الجمال ورواية الحُسن بمائه الرقراق .
جميلة بإشراقة شمسها واعتدال مناخها ، جميلة بتخطيطها وبنائها ، جميلة بأهلها وجوها وعبقها الخاص ، جميلة جداً بمكتبتها العالمية ، وتبقى أجمل حين تكون اسكندرية السلام والجمال .
كم يعكّر صفو المرء ويكدر خاطره ويخرجه عند حدّ الاعتدال ما حصل ليلة الأمس في كنيسة بالإسكندرية ..
أيعقل أن يُسمع دوي الانفجار في اسكندرية السلام وعاصمة الهدوء ؟!
من سمح لغير هدير البحر ، ولغير صوت الرياح المتوسطية أن تصخ أسماع الاسكندرانيين ؟!
ما هذا النشاز عن الطبع السكندري ؟
إنها الفتنة لعن الله من أيقظها تطلّ برأسها من جديد..
من أول الفتح الإسلامي والأقباط يعيشون جنباً إلى جنب مع المسلمين ، بل ربما حصل التزاوج والمصاهرة بين المسلمين والأقباط ، لقد كفل الإسلام لنصارى مصر أن يحتفظوا بديانتهم وأن تبقى كنائسهم يمارسون فيها العبادة والصلاة .
وتتكرر التجربة الإسلامية مع نصارى الشام والأندلس ، كيف والقرآن يفتح الباب على مصراعيه : (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين )
والنبي صلى الله عليه وسلم يعلن البراءة كميثاق يعطيه للآخر الذي يعيش معنا وبيننا ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عاماً)
إنّ ذا الشأن من أبجديات الدين التي لا تخفى ولا أظنني بحاجة لتأكيده ، وحسبي ما ذكرت كمقدمة في استنكار الحادثة الأليمة ليلة رأس السنة في إسكندرية السلام والحب والحياة ، حيث دوى انفجار ذهبت فيه أرواحٌ وأنفس ، ووضع البارود من جديد بين المسلمين والنصارى في مصر في مسلسل باتت حلقاته الكريهة معروفة لكل ذي لُبّ ، ليست نجع حماد بأول حلقاته ولا الإسكندرية بآخرها كما يبدو وإن كنا لنرجو غير ذلك ولا ندري أين ومتى ستكون المحطة القادمة ، ولكن ما نعرفه أن ما حصل يؤرقنا جميعاً مسلمين وغير مسلمين ، وأنه اعتداء آثم وجريمة نكراء ، وثمّة أسئلة لا بدّ أن تطفوا على السطح وبقوة :
من الذي يذكي نار الفتنة في مصر ، يوقدها كلما الله أطفأها ؟
لماذا مصر تحديداً ؟
لماذا ؟ ولصالح من ؟
ولماذا الإسكندرية بعد نجع حماد ؟
إلى أهلنا في مصر بكل الألم تلقينا ما جرى ، ومصاب مصر هو مصابنا جميعاً ، وكلنا مصر قلباً وروحاً وجسداً ، إذا اشتكى عضوٌ في مصر تداعى له سائر السجد الإسلامي بالحمى والسهر .. وما ذاك على مصر بكثير .
اللهم أدم على مصر نعمتي الأمن والاستقرار ، اللهم من أراد هذا البلد وكلّ بلد مسلم بسوء فردّ كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره .. إنك قوي متين
كـاتـب المقال:
تــوفيق الصــائـغ